أغرب طقوس الموت.. لِمَ يختلف البشر في طرق تعاملهم مع الموتى؟

0

[ad_1]

يعدُّ “فاماديهانا” أو تقليب العظام أحد طقوس التعامل مع الموتى المتبعة في مدغشقر. خلال هذا الطقس، يفتح الناس قبور موتاهم كل بضع سنوات ويعيدون لفهم بأكفان جديدة، وفي كل مرة يحصل فيها الموتى على أكفانهم الجديدة يحصلون أيضا على رقصة جديدة بالقرب من القبور، فتُعزف الموسيقى في كل مكان، ويؤدي كل الحاضرين حركات راقصة. يكمن المغزى وراء هذه الطقوس في اعتقاد الناس أنهم يدفعون أرواح الموتى نحو الحياة الآخرة (1).

 

اختلاف الطقوس من ثقافة إلى أخرى

يسلط ذلك الضوء على الاختلاف الكبيرة بين المجتمعات في مراسم وطقوس توديع الأشخاص المتوفين. مثلا، يُعَدّ “الدفن في السماء” أمرا شائعا في التبت بين البوذيين الذين يؤمنون بقيمة إرسال أرواح أحبائهم نحو الجنة مباشرة. تشمل الطقوس التي يتبعونها ترك الجثث في الخارج، وأحيانا تقطيعها إلى قطع أصغر حجما لتتمكن الطيور من التهامها.

وفي الهند، يُتَّبَع تقليد يتضمن استعراض الموتى في الشوارع، مصحوبا بألوان تبرز فضائل المتوفى، هنا يشير الأحمر مثلا إلى النقاء، بينما يشير الأصفر إلى المعرفة، ثم تُرَش الجثث بالمياه من نهر الغانج وتُحرق في المناطق الرئيسية لحرق الجثث في المدينة (1).

حرق الجثث في المناطق الرئيسية لحرق الجثث في المدينة.
طقس حرق الجثث في الهند في المناطق الرئيسية لحرق الجثث في المدينة. (شترستوك)

أيضا ضمّنت العديد من الثقافات، وخاصة في بلدان الشمال الأوروبي، الماء في طقوسها الخاصة في التعامل مع الموتى، بدءا من وضع التوابيت فوق المنحدرات المواجهة للمياه، ووصولا إلى استخدام المياه فعليا مدفنا، فيضع البعض الجثث في “سفن الموت” على طول النهر أو المحيط، معتقدين أنهم بذلك “يُرسلون الجثث إلى الآلهة”.

 

التقدم العلمي وضع بصمته هنا أيضا، فمن أشكال التعامل مع أجساد الموتى ما يُعرف بـ”عملية تجميد الجسم”. تتضمن هذه العملية استخدام النيتروجين السائل لتبريد الجسم حتى درجة -313 درجة فهرنهايت، أي ما يُعادل -192 درجة مئوية، التجميد على هذه الدرجة يجعل الجسد هشا لدرجة أنه يمكن “تجزئته”، ثم من خلال استخدام المغناطيس تُزال الأشياء المعدنية مثل الحشوات والأطراف الصناعية، وينتج في النهاية مسحوق معقم، كما الغبار الناتج عن حرق الجثث.

 

يمكن نثر هذا المسحوق المعقم أو الاحتفاظ به إذا كان أهالي المتوفى يرغبون في هذا. البعض يُفضِّل هنا الحفاظ على الجسم المجمد سليما، لأنهم يعتقدون أن العلم قد يصل إلى طريقة تُمكنه من إحياء جسم الإنسان الميت. يشير موقع “الديلي ميل” إلى أنه اعتبارا من عام 2023 هناك ما يُقدَّر بنحو 500 جثة في التخزين بالتبريد في جميع أنحاء العالم في انتظار مثل هذا الاختراق العلمي، ومعظمها في الولايات المتحدة.

 

عملية التجميد هذه ليست رخيصة، لذا فهي محجوزة بشكل أساسي للأثرياء الذين تركوا ثروة شخصية. قد تتكلف عملية التجميد نحو 200,000 دولار، وهذا لا يشمل حتى أي رسوم تخزين سنوية (2).

 

كذلك يمكن أن تختلف عادات الجنازة بشكل كبير بين الأشخاص من مختلف الثقافات والأديان. مثلا، يشيع تمزيق الثياب في اليهودية، فيما يُمنع الرجال من حلق لحاهم. بينما في الهندوسية، من المتوقع أن يحلق الذكور الهندوس رؤوسهم ولحاهم باعتبار ذلك جزءا من طقوس الحداد. كذلك يُعَدّ البكاء أثناء الجنازات أمرا بالغ السوء لدى البوذيين التبتيين، بينما تَعتبر الثقافات الأخرى أن البكاء علامة على محبة الشخص المتوفى والحزن الصادق عليه.

Hochiminh City Vietnam June 13 2015 in the tradition of the Funeral The Ceremony to take Asian Buddhism to the final resting place deceased
مراسم الجنازة عند البوذيين. (شترستوك)

يمكن أن تختلف الطقوس أيضا اعتمادا على ما إذا كان الشخص رجلا أو امرأة. مثلا، يُعَدُّ البكاء في الجنازة أكثر قبولا للنساء منه للرجال عموما، فغالبا ما يُتوقع من الذكور أن يكونوا أكثر تماسكا في التعامل مع خسارتهم (3).

 

الطقوس و”تأثير تفوق الموتى”

كثير ما تذهب الأمور إلى أبعد من ذلك، فالعديد من الثقافات لا تفترض وجود انقسام صارم بين الحياة والموت، وترى أن الإنسان عندما يموت فإنه يترقى لأنه يتخلص من الثقل الذي يفرضه عليه الجسد، فيصبح روحا أو عقلا خالصا أو غيرها من المسميات المختلفة، التي تشترك فقط في الاتفاق على مبدأ أن الموتى تفوق قدراتهم قدرات الأحياء. هنا يكون الجسد المادي وعاء للروح، أو يكون الدماغ مجرد وعاء للعقل (4).

 

تُعرف هذه الفكرة عادة باسم “تأثير تفوق الموت”، وهي تفترض أن أجسامنا (المادية) تُثقل ذواتنا الحقيقية غير المادية، ومن ثم عندما يزول الجسم فإن ذواتنا تستعيد كامل قدراتها وخصائصها التي حدتها سابقا حياة الجسد (5).

الفصل التام بين الحياة والموت أمر غير معتاد في نطاق تاريخ البشرية. تصورت معظم الثقافات الموجودة وجود علاقة أكثر ليونة وانسيابية بين الحياة والموت.
الفصل التام بين الحياة والموت أمر غير معتاد في نطاق تاريخ البشرية فلقد تصورت معظم الثقافات الموجودة وجود علاقة أكثر ليونة وانسيابية بينهما. (شترستوك)

على النقيض تماما، نجد أن بعض التقاليد الحديثة تُعرف بتمييزها الصارم بين الحياة والموت وتحديدها خطّا ثابتا فاصلا بين الأمرين. في هذه الثقافات، عندما تموت فإنك تموت فقط، وهذه هي نهاية الأمر، إن كنت محظوظا فسيُكرِّمك أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة، لكن الأمر متروك لهم بصورة كاملة.

 

غير أن الكاتب والمؤرخ “بول كودوناريس” يرى أن هذا الفصل التام بين الحياة والموت أمر غير معتاد في تاريخ البشرية، حيث تصورت معظم الثقافات المعروفة وجود علاقة أكثر ليونة وانسيابية بين الحياة والموت، يقول كودوناريس: ​”إذا نظرت إلى معظم الثقافات في العالم حتى يومنا هذا بخلاف الغرب، وإذا نظرت إلى الطريقة التي كانت عليها أوروبا في السابق، وإذا نظرت إلى معظم الثقافات القديمة، فستجد أن الحدود بين الحياة والموت كانت دوما ناعمة للغاية” (4).

 

يعدُّ الإدراك الاجتماعي للموت أمرا في غاية الأهمية، فلا بد للبشر من صيغة ما تُمكِّنهم من إدراك الموت، لأنه النهاية المؤكدة لحياتهم، ولأنه الأمر الذي يُودّعون من خلاله آباءهم وأقاربهم وأحبابهم. هذا الإدراك يلتقي في جانب كبير منه بـ”طقوس الموت” وطرق التعامل مع الموتى على اختلافها بين البشر. عموما، إدراكنا للموت أمر ذاتي للغاية، وهو المؤثر الأساسي في اختيار الطقوس التي نتبعها.

 

ورغم ذلك، قد يضطر البشر، في بعض الحالات، إلى التعامل مع الموت بطريقة لا يرغبون بها ولا تتفق مع طريقة إدراكهم له ولما يتبعه. مثلا، تودي الكوارث الطبيعية والأوبئة الكارثية بحياة الآلاف، وتتسبب في معاناة بشرية وعواقب وخيمة ودائمة. على سبيل المثال، كشف وباء الإيبولا في عام 2014، ووباء فيروس كورونا المستجد في عام 2020، عن بعض التعقيدات اللوجستية والأخلاقية المتعلقة بإدارة الجثث، فبينما يُكلَّف موظفو الخطوط الأمامية بإنقاذ الأرواح، تظل إدارة جثث أولئك الذين يموتون مشكلة تفتقر إلى الموارد للتعامل معها بالطريقة المناسبة والمتفقة مع معتقدات الأشخاص (6).

 

البحث عن المعنى

تعمل الطقوس المُتبعة في مراسم الدفن والجنازات على مساعدة الناس على التعامل مع التأثير الفوضوي الذي تخلقه الخسارة.
تعمل الطقوس المُتبعة في مراسم الدفن والجنازات على مساعدة الناس على التعامل مع التأثير الفوضوي الذي تخلقه الخسارة. (شترستوك)

“الإنسان يبحث عن معنى” هو عنوان كتاب صدر عام 1946، كتبه الطبيب النفسي “فيكتور فرانكل”، خلال هذا الكتاب يعرض فرانكل تجاربه وخبراته التي آلت به إلى اكتشاف ما أسماه “العلاج بالمعنى” (7). يرى فرانكل أن دافع الإنسان للعيش والبقاء والمُضي قُدما في حياته ليس هو اللذة، كما قال فرويد، أو النجاح والمكانة، كما قال أدلر، ولكنه “المعنى” أي أن يجد الإنسان “معنى خاصا” لحياته (8).

 

البحث عن المعنى لا يتعلق بالتعامل مع الحياة فقط، بل يمكن أن يكون تفسيرا لبعض الطقوس التي يتبعها البشر في التعامل مع الموت (9). يحتاج جميع الناس تقريبا إلى تطوير إدراك أو “معنى ما” للموت من أجل مساعدة أنفسهم على التعامل مع الحزن والألم والفقد، بغض النظر عن ثقافتهم ودياناتهم. في هذا السياق، فحَصَ مقال بحثي جديد، كتبه “مايكل نورتون” و”فرانشيسكا جينو” من كلية هارفارد للأعمال، ونُشر في مجلة “علم النفس التجريبي”، التأثير القوي الذي يمكن أن تلعبه الطقوس المتبعة في مراسم الدفن والجنازات في مساعدة الناس على التعامل مع التأثير الفوضوي الذي تخلقه الخسارة.

 

يقترح نورتون وجينو أن الطقوس بوصفها “نشاطا رمزيا” يقوم البعض به قبل أو أثناء أو بعد حدوث حدث حزين من أجل تحقيق بعض النتائج المرجوة، يمكن أن تساعد الناس على تخفيف المشاعر السلبية. فالأشخاص الذين تعرضوا لفقدان شخص عزيز عليهم، غالبا ما يشعرون كأن حياتهم قد أصبحت خارجة عن السيطرة، هنا يمكن استخدام الطقوس لاستعادة هذا الشعور بالسيطرة، ومن ثم يسهل عليهم التعامل مع الحزن. في حين أن الطقوس تختلف من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى على نطاق واسع، فإن المبدأ الأساسي لاستعادة الشعور بالسيطرة عادة ما يكون ثابتا في مختلف المجتمعات والثقافات.

—————————————————————

المصادر:

1- 7 Unique Burial Rituals Across the World

2- ways your body can be disposed of when you die

3- Can Rituals Help Us Deal with Grief?

4- The Psychology of Death Rituals

5- More dead than dead: Perceptions of persons in the persistent vegetative state

6- Ethical and sociocultural challenges in managing dead bodies during epidemics and natural disasters

7- الإنسان يبحث عن المعنى: مقدمة في العلاج بالمعنى التسامي بالنفس

8- “العلاج بالمعنى”.. هل يمكن للإنسان أن يجد خلاصه في أخطائه؟

9- Americans’ Do-It-Yourself Death-Care Rituals

[ad_2]

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وتوفير ميزات الوسائط الاجتماعية، وتحليل حركة المرور لدينا. نشارك أيضًا المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلان والتحليلات. View more
Cookies settings
Accept
Decline
Privacy & Cookie policy
Privacy & Cookies policy
Cookie name Active
 

ملفات الدخول:

شأنها في ذلك شأن معظم خوادم المواقع الأخرى ، ومن هنا فإن موقع رقمياتhttps://raqmeyat.com/ يستخدم نظام ملفات الدخول ، وهذا يشمل بروتوكول الانترنت (عناوين ، نوع المتصفح ، مزود خدمة الانترنت "مقدمي خدمات الانترنت" ،  التاريخ / الوقت ، وعدد النقرات لتحليل الاتجاهات).
من خلال هذه العملية لا يقصد بذلك جمع كل هذه المعلومات في سبيل التلصص على أمور الزوار الشخصية ، وإنما هي أمور تحليلية لأغراض تحسين جودة الإعلانات من قبل Google ، ويضاف إلى ذلك أن جميع هذه المعلومات المحفوظة من قبلنا سرية تماما، وتبقى ضمن نطاق التطوير والتحسين الخاص بموقعنا فقط.

الكوكيز وإعدادات الشبكة:

إن شركة Google تستخدم تقنية الكوكيز لتخزين المعلومات عن إهتمامات الزوار، إلى جانب سجل خاص للمستخدم تسجل فيه معلومات محددة عن الصفحات التي تم الوصول إليها أو زيارتها، وبهذه الخطوة فإننا نعرف مدى اهتمامات الزوار وأي المواضيع الأكثر تفضيلا من قبلهم حتى نستطيع بدورنا تطوير محتوانا الخدمي والمعرفي المناسب لهم.
نضيف إلى ذلك أن بعض الشركات التي تعلن في رقميات قد تتطلع على الكوكيز وإعدادات الشبكة الخاصة بموقعنا وبكم ، ومن هذه الشركات مثلاً شركة Google وبرنامجها الإعلاني Google AdSense وهي شركة الإعلانات الأولى في موقعنا.
وبالطبع فمثل هذه الشركات المعلنة والتي تعتبر الطرف الثالث في سياسة الخصوصية فهي تتابع مثل هذه البيانات والإحصائيات عبر بروتوكولات الانترنت لأغراض تحسين جودة إعلاناتها وقياس مدى فعاليتها.
كما أن هذه الشركات بموجب الاتفاقيات المبرمة معنا يحق لها استخدام وسائل تقنية مثل ( الكوكيز ، و إعدادات الشبكة ، و أكواد برمجية خاصة "جافا سكربت" ) لنفس الأغراض المذكورة أعلاه والتي تتلخص في تطوير المحتوى الإعلاني لهذه الشركات وقياس مدى فاعلية هذه الإعلانات ، من دون أي أهداف أخرى قد تضر بشكل أو بآخر على زوار موقعنا.
وبالطبع فإن موقع رقميات لا يستطيع الوصول أو السيطرة على هذه الملفات، وحتى بعد سماحك وتفعيلك لأخذها من جهازك (الكوكيز) ، كما أننا غير مسؤولين بأي شكل من الأشكال عن الاستخدام غير الشرعي لها إن حصل ذلك .
عليك مراجعة سياسة الخصوصية الخاصة بالطرف الثالث في هذه الوثيقة  ( الشركات المعلنة مثل Google AdSense ) أو خوادم الشبكات الإعلانية لمزيد من المعلومات عن ممارساتها وأنشطتها المختلفة .
لمراجعة سياسة الخصوصية للبرنامج الإعلاني Google AdSense والتابع لشركة Google يرجى النقر هنا
يُمكن جمع البيانات لتجديد النشاط التسويقي على الشبكة الإعلانية وشبكة البحث عبر  سياسة الإعلانات التي تستهدف الاهتمامات والمواقع الخاصة بالزوار ، ويمكن تعطيل هذه الخاصية من هنا.
وأخيرا .. نحن ملزمون ضمن بنود هذه الاتفاقية بان نبين لك كيفية تعطيل خاصية الكوكيز ، حيث يمكنك فعل ذلك من خلال خيارات المتصفح الخاص بك، أو من خلال متابعة  سياسة الخصوصية الخاصة بإعلانات Google وشبكة المحتوى .
إذا كنت بحاجة إلى مزيد من المعلومات أو لديك أية أسئله عن سياسة الخصوصية ، لا تتردد في الاتصال بنا عن طريق نموذج الإتصال ، بالدخول إلى تبويب اتصل بنا.
بنود هذه السياسة قابلة للتطوير والتغيير في محتواها في أي وقت نراه ضرورياً .
Save settings
Cookies settings